بتال القوساستمتع أيما استمتاع بقراءة تصاريح المدربين بعد المباريات المفصلية, لأنني ما زلت واهما بقدرتي السحرية على قراءة ما بين السطور وتحليل شخصياتهم وقياس وعيهم وثقافتهم.
ولأن معدن المدربين في ظني يظهر أكثر عند الخسارة, لأن القفز والضحك والفرحة ونفش الريش بعد الفوز أمر سهل, وبما أني يعجبني المدرب الصامت قليل الحركة والمطامر والمهايط ـ والأخيرة مفردة شعبية تطلق على فئة معينة من الناس تزعجك بالصوت العالي والكلام المفخم والتضخم في الذاتية والأجساد وغالبا ما تفر عند اللقاء ـ لفت انتباهي البوسني إيفيكا أوسيم مدرب اليابان بشخصيته الغامضة وردوده الساخنة على الإعلاميين في المؤتمرات الصحافية, حتى أنه قال لأحد صحفيي بلاده بعد مباراة فريقه مع قطر: سأوصي بالتعاقد معك مدربا بعد تركي منصبي.أوسيم العجوز الواثق غير الوسيم, صاحب الوجه المتجعد والعينين الشابتين اللتين تخفيان أكثر مما تظهران, قال أمس الأول بعد مباراة فريقه أمام السعودية: السعوديون محظوظون, لأنهم سجلوا من ثلاث فرص, تعادلنا مرتين ولم يكن في الإمكان فعل الثالثة.
واستخدم أوسيم مبدأ مضاربي السوق المتهورين في البورصة السعودية, حين قال: نحن نهاجم بشكل كبير, وفي هذه الحالة فرصة تلقينا أهدافا تعتبر أكبر. على غرار الربح في أسهم المضاربات عالي جدا والخسارة قاصمة.
وأوسيم العجوز الصربي السبعيني إلا أربع سنوات, ليس مهايطيا أبدا, ولا مربوشا ـ والمربوش من المدربين هو من لا يجلس على كرسيه أكثر من دقيقتين، ولها وصف شعبي جميل لا أظنه سيجاز لو كتبته - تعرض لهجوم قاس بعد مباراة فريقه أمام قطر في الدور الأول, وحين تصاعد مستوى فريقه, في المباراتين التاليتين استمر كما هو رجل هادئ يشاكس الصحافيين, ويرد عليهم أحيانا بأسلوبهم نفسه من المماحكة والمراوغة, وأحيانا المباشرة, لكنه لم يتلبس أدوارا أكبر منه ويقول بكل مهايطة: رددنا على المشككين.
ربما لأن أوسيم العجوز, يعلم علم اليقين أن أي ياباني ينتقده يحب بلاده أكثر منه, وربما لأن أوسيم يعلم أن اليابانيين لديهم استعداد للتضحية به من أجل اليابان, وربما لأن أوسيم يعلم أنه ليس بينه وصحافيي اليابان دما ولا ثأرا, وربما أيضا لأنه يعرف أن المهايط لا يتماشى مع الثقافة اليابانية.
* نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية